جهاد العبيد

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل 30 عاماً تبوأ الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية مقعد زعامة العالم دون منافسة، وأصبح مَن يحدد المعايير ويرسم القوانين وله اليد الطولى في توجهات المنظمات والهيئات والقرارات الأممية، وأضاف إلى ذلك أوراق أخرى كحقوق الإنسان وحماية الحريات وصناعة الديمقراطيات كذريعة لتحقيق أهدافه ومناكفة منافسيه.
مقابل ذلك لم يكن هناك حساب على الأخطاء والتجاوزات الأمريكية والتي كانت تمر وكأن القلم مرفوع عنها، فواشنطن غزت أفغانستان بحجة محاربة تنظيم القاعدة، ورحلت عنه وهو أشد خراباً بطريقة كارثية ستُسجل بالتاريخ، وغزت العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل، واعترفت لاحقاً بزيف ادعائها، ثم رحلت عنه وتركته للطائفية تنهشه، وقِس على ذلك تجاوزات كبيرة كان العالم يتعامل معها بمرونة اعتباراً لمكانة الولايات المتحدة، كالشرطي الضامن لاستقرار الكوكب والراعي لمصالح حلفائه، إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد تكون نقطة الفصل في التعاطي العالمي مع الغرب، وهو الناقوس الذي جعل الهيمنة الأمريكية تبدو وكأنها أصبحت مضرة ولا يجب أن تستمر على الأقل كقطب واحد منفرد .


فعندما دخلت روسيا جارتها أوكرانيا، وإن كنا نرفض المبدأ كاملاً، إلا أن مبررات روسيا كانت أكثر منطقية من الغزو الأمريكي للعراق مثلاً، على الرغم من هذا أوقع الغرب وحلفاؤه على روسيا أكثر من 5500 عقوبة، وأمطروا كييڤ بالأسلحة والدعم السياسي والاقتصادي، شنّعوا كل حركة وكل فعل روسي، جمّدوا الأرصدة وصادروا الممتلكات، وأخرجوا روسيا من نظام سويفت للتعاملات المالية، وطردوها من المنظمات الرياضية والتي كانت تنادي دائماً بعدم خلط السياسة بالرياضة، حتى إن منظمة الصحة العالمية علّقت ترخيص لقاح كورونا الروسي، والأدهى هو تباهي الغرب بسيطرته على هذه المنظمات والهيئات لتُصدر قراراتها خلال 48 ساعة، وبشكل متزامن غير مسبوق، قرارات تبدو كأنها كانت جاهزة فقط تنتظر إشارة غربية.


لم تقبل دول كالصين والهند والبرازيل هذا الاستبداد واستمرت بالتعامل مع روسيا، بل دولة كالمكسيك رفضت الانخراط في هذا العقاب الهستيري لكل ما هو روسي، ولأول مرة تواجه واشنطن رفضاً صريحاً وقاطعاً لتوجهاتها من دول حليفة لها كدول الخليج، المستاءة جداً من تصرفات الإدارة الأمريكية تجاه مصالحها في المنطقة.

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

لقد أرسل الغرب رسالة استبداد للشعوب قبل الحكومات، فبدأ الدفع لإيجاد البدائل والتشجيع للاستقلال عن العولمة التي يقودها، فهذا النوع من الهيمنة يجب ألّا يستمر، ويجب الخروج من عباءته وإن أخذ الأمر وقتاً.