جهاد العبيد

تعتبر جائحة كورونا أكبر أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، وتكمن شدة وقعها في تسارع أحداثها ومفاجأتها للعالم. الأزمة أغلقت المصانع وأوقفت الأعمال في العالم أجمع، مما سبب نقصاً حاداً في المعروض، قابله شره وطلب كبيرين بعد رفع القيود وتخفيف الاحترازات، ناهيك عن إعادة تموضع لرؤوس الأموال تسببت بها الأزمة، كل ذلك تزامن مع ارتفاع أسعار النفط بسبب ضعف الاستثمار والضغط لاستبدال الطاقة التقليدية بالطاقة المتجددة أو الخضراء، هذا الاستبدال الذي لم يدرس بعناية ليتم إحلاله تدريجياً، فارتفعت إثره أسعار النفط قريباً من أرقامه القياسية، ثم استيقظ العالم على اجتياح روسي لأوكرانيا زاد الطين بلة، والناتج هو مستويات تضخم لم تحدث منذ عقود، ويُخشى أن تلي هذا التضخم فترة كساد تشكل خطراً على الاقتصاد العالمي أجمع.

هذه الأخبار انتشر تداولها في الأوساط العامة والاهتمام بها بشكل ملحوظ، فارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات لفت نظر المواطن العادي، الذي أصبح يتساءل: لماذا هذا الارتفاع وكيف يمكن مواجهة ذلك؟، فبدأ بمتابعة إعلانات التضخم ونسب ارتفاعها، ليقارنها مع أرقام السوق المحلية، ولأننا في منطقتنا الخليجية نتأثر مباشرة بالاقتصاد العالمي فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأسعار والقدرة الشرائية، ولكن كيف تتم مجابهة كل ذلك؟

يتداول البعض حلاً شعبوياً، فيرى أن التضخم مؤذٍ ويُضعف القدرة الشرائية للمواطن، والحل هو بتدخل الحكومة وزيادة الدخل ليواكب ارتفاع الأسعار لرفع القدرة الشرائية، بينما هذا الخيار تأثيره سلبي ومخالف للقواعد الاقتصادية، فهو يساهم في زيادة السيولة في السوق مع استمرار ارتفاع الطلب، وبالتالي استمرار ارتفاع الأسعار وقلة المعروض، وهذا الحل مستبعد إلا في حالات معينة، مثل تقديم الدعم الحكومي لفئات محدودة الدخل التي تواجه أزمة حقيقية في المعيشة.

معالجة التضخم يجب أن تتم بعناية لتجنب دخول الاقتصاد في كساد وهو أخطر من التضخم نفسه، إذ يتسبب في خسارة للوظائف وتوقف النمو وتعطيل المشاريع، فبالتزامن مع ضعف السيولة لثبات الدخل، يجب مضاعفة الإنتاج وفتح السوق وتقليل الاشتراطات، إلا أن مشكلة التضخم الحالية هي أن التعاون يجب أن يكون عالمياً، وأن ترمي الدول خلافاتها، لتعبر بالاقتصاد العالمي إلى بر الأمان، وللأسف لا يبدو ذلك قريباً، بسبب الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية والخلاف حول المشاركة بهذه العقوبات من عدمها، فخطر أننا مقبلون على كساد عظيم وارد، إن لم يتفق العالم وتغلب حكمته أيدلوجياته، وينقذ اقتصاده .

أخبار ذات صلة

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية
السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»