مصعب قسم الله

349 مليون استرليني عوائد الأندية من الترويج لشركات المراهنات

كانت أسرة البريطاني بيتر كوخ على موعد مع الفجيعة في شتاء 2013، إذ استفاقت على انتحار ابنها لويس البالغ 33 عاماً دون إبداء الكثير من الأسباب، في وقت عُثر بجانبه على ورقة صغيرة، كتب فيها ما معناه: «إنه عجز عن تحمل العواقب الضخمة لإدمانه المراهنة على الإنترنت»، قبل أن يضع حداً لحياته.

بعدها بمدة، وبحسب الغارديان، البريطانية خرج والده بيتر كوخ بتصريح مليء بالحسرة وإحساس المكلوم، وقال إنه لم يكن يعلم معاناة ابنه من ذلك الإدمان غير المعهود لأب مثله، قبل أن يملأ الصحف ضجيجاً ومطالب بضرورة وقف كافة أشكال الترويج لشركات المراهنات، وخصوصاً في كرة القدم، حيث كان ابنه مولعاً بها للحد البعيد.

بعيداً عن مطالبات كوخ، وجد موضوع المراهنات واجتياحها كرة القدم الإنجليزية الكثير من المهتمين، وانصبت غالبية الآراء نحو منعها وتطويقها من بوابة كرة القدم، لكن الأمر ظل حبيس المطالب، دون أن يتم إسناده بخطوات عملية، بحسب الغارديان.

وما بين المطالب والتوعوية بمخاطر إدمان الرهانات، وجد بيتر كوخ دعماً غير متوقع في مطلع الشهر الماضي، إذ تحركت مسيرة احتجاجية قوامها 40 فرداً من إدنبرة إلى غلاسكو، من أجل المطالبة بالوقف الفوري لجميع إعلانات المراهنات على قميص أندية كرة القدم في بريطانيا عموماً، وتصدرت المسيرة شريكة الراحل لويس بيتر كوخ وبنته.

وخرجت المسيرة كجزء من حركة «ذا بيغ ستيب (الخطوة الكبيرة)» والتي تطالب منذ مدة بنزع كافة الإعلانات المروجة لشركات المراهنات من قمصان الفرق في إنجلترا، كما تعد هذه الحركة فرعاً أصغر لجمعية «ذا غامبلينغ وذ لايف» الخيرية، والتي ينشط في أعمالها بيتر كوخ وزوجته بشدة.

مسيرة في اسكتلندا تطالب بوقف الأندية للترويج لشركات المراهنات على قمصانها. (الغارديان)

أخبار ذات صلة

سُبات الدوري الإيطالي واضحٌ في سوق الانتقالات
ميركاتو 2022.. بين ذكاء الاختيار والانتقالات المبالغ فيها


«أندية كرة القدم مسؤولة مسؤولية مباشرة عن صغار مشجعيها في سياق إدمانهم للمراهنات»، هكذا جاء حديث بيتر كوخ للغارديان أخيراً.

وأضاف: «كل قميص يحمل إعلاناً لشركة مراهنات، يحمل في طبيعته رسالة مقنعة لأي مشجع صغير محب لهذا النادي.. قد يصل إلى قناعة بأن الرهان ربما أمر جيد، طالما يظهر على قميص ناديه.. هذه بالضبط خطوة الإعلانات على قمصان أندية الكرة».مطالب للسياسيين

بدا بيتر كوخ سعيداً بإدراك البرلمان البريطاني مؤخراً لخطر المراهنات وانتشارها في كرة القدم، لكنه طالبهم برفع وتيرة التحركات من أجل المصادقة على إعلان منع تعاقد الأندية مع الرعاة من شركات المراهنات.

وأضاف كوخ للغارديان: «إذا أخذت التشريعات ومناقشتها في البرلمان الكثير من الزمن، فإن ذلك يعني فقدان حياة الكثير من الناس، أعتقد أن اليوم الذي سنصل فيه إلى صفر إعلانات مراهنات في كرة القدم، سيكون يوماً عظيماً لي».

وفي هذا السياق، أكدت التقارير أن القسم المعني بالرقمية والثقافة والإعلام والرياضة بالبرلمان البريطاني يجري الآن تعديلات على ميثاق المراهنات الذي يعود لعام 2005، ورأت أنه قريب جداً من حظر إعلانات شركات المراهنات على قمصان الفرق في بريطانيا، وحددت بداية عام 2023 موعداً لسريان هذا القرار، ما يؤكد جدوى احتجاجات الجماهير ضد هذه الشركات حالياً.

أقرأ أيضاً: ليفربول يضحي بساديو ماني للحفاظ على صلاح

رهان على ضغوط الجماهير

على الرغم من الاختراق الكبير الذي حدث، ونتج عن تحرك البرلمان البريطاني تجاه شركات المراهنات، فإن مؤسس حركة «ذا بيغ ستيب» جيمس غرايمز، شدد على انخراط المزيد من الجماهير في ضغوط على إدارات أنديتها، من أجل تراجعها عن التعاقد مع شركات المراهنات.

إذا نجحنا في الحصول على المزيد من الجماهير لتشكل كرت ضغط على أنديتها، فسيكون ذلك مفيداً للغاية، وهذا أمر أتى ثماره مع نادي نوريتش سيتي، لدينا الآن مساندة من 18 نادياً في بريطانيا، عموماً أعتقد أنه سيأتي يوم نعلن فيه اختفاء المراهنات في عالم كرة القدم.

نموذج حي

«عانيت من إدمان المراهنة على الإنترنت لأعوام.. وكان بسبب إغراقي بإعلانات شركات الرهانات»، هكذا كانت شهادة البريطانية كيلي فيلد لصحيفة الغارديان.

وأردفت: «إعلانات الرهانات، ورعاية شركاتها لكرة القدم، تجعل الناس يرون أن ممارسة المراهنة أمر طبيعي، بل وآمن، في حين أن الواقع مختلف تماماً عن ذلك».

مصادر دخل للأندية

تؤمن شركات الرهانات الكثير من الأموال للأندية التي تتعاقد معها مقابل الترويج لها على قمصانها.

وبحسب تقارير اقتصادية فإن شركات المراهنات تضخ في خزائن الأندية ما قيمته 349 مليون استرليني، مقابل الترويج لها، وهو مبلغ مهم للغاية.

«مما لا شك فيه أن شركات المراهنات تفر على الدوام مبالغ مالية كبيرة لأندية كرة القدم من أجل ضمان الوصول لأكبر قدر من الجماهير المحبين لتلك الأندية»، هكذا كان تعليق نيل دونكاستر المدير التنفيذي لرابطة الدوري الاسكتلندي لصحيفة الغارديان العام الماضي.

وبلغت مداخيل رابطة الدوري الإنجليزي من شركات المراهنات 40 مليون استرليني خلال عامي جائحة كورونا.

من مباراة بين وولفرهامبتون ونيوكاسل. (رويترز)

إقبال كبير

في عام 2019 تنبأت دراسة بريطانية بدخول أكثر من نصف أندية البريمييرليغ في شراكات راعية مع شركات المراهنات، وقدرت مداخيلها منذ ذلك بـ349 مليون استرليني، بزيادة 10% من مداخيلها في موسم 2018 ـ 2019، والتي بلغت 315 مليون استرليني.

وقبل انطلاق الموسم الحالي (2021 ـ 2012) أكدت إحصائية توفر 19 نادياً من الأندية المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز على عقد رعاية مع شركات المراهنات.

وتتفاوت نسبة ارتباط الأندية بشركات المراهنة بين الترويج لها على واجهة القمصان، وعلى ظهر القميص، في حين تكتفي الأندية الكبيرة على الترويج لها على أيادي القمصان، أي على مساحات ضيقة للغاية.

ويعد نوريتش سيتي هو النادي الوحيد في الدوري الإنجليزي الذي لا يربط أي عقد مع تلك الشركات، وهو أمر كان لجماهيره فيه اليد العليا، بعد ممارستها الكثير من الضغوط.

9 أندية

تحوز 9 أندية من البريمييرليغ على نصيب الأسد في رعاية شركات المراهنة، حيث تروج لها على واجهة قمصانها.

وتضم قائمة هذه الفرق، كلاً من، برينتفورد، بيرنلي، كريستال بالاس، ليدز يونايتد، وست هام، نيوكاسل، ساوثهامبتون، واتفورد وولفرهامبتون.

ويملك نادي ليستر سيتي نصيب الأسد وذلك بعقود مع 5 شركات مراهنات مختلفة، ويحل نيوكاسل في المرتبة الثانية بثلاثة عقود، مقابل عقدين لكل من وولفرهامبتون وبيرنلي وليدز وساوثامبتون ووست بروميتش.

حلم الليغا الإسبانية

تراود المنافحين لظهور شركات المراهنات في كرة القدم الإنجليزية أحلام عدة، أهمها تحقق النموذج الإسباني في البريمييرليغ.

وكان الموسم الماضي هو الأخير لظهور شركات المراهنات على قمصان أندية الليغا، وذلك بعد صدور تشريع يمنعها بداية من هذا الموسم من التعاقد مع شركات الرعاية من شركات المراهنات.

وبلغ عدد الأندية في الليغا التي ربطتها عقود مع شركات مراهنات الموسم الماضي 17 نادياً، 8 منها مثلت شركات المراهنات راعيها الأساسي، معظمها من الأندية الصغيرة والمتوسطة. وكلفت خطوة الليغا بمنع شركات المراهنات، تلك الأندية 80 مليون يورو هذا الموسم.

وفي فرنسا بلغت عدد الأندية التي ترعاها شركات مراهنة في موسم 2019 ـ 2020، 17 نادياً من 20 نادياً.

أما ألمانيا، فتعد أنديتها أكثر عدوانية مع شركات المراهنات، إذ لم يظهر أي شعار شركة مراهنات على قميص أي ناد في البوندسليغا هذا الموسم، باستثناء ماينز وفيردربريمن، اللذين يمتلكان عقود رعاية مع شركات مراهنة، مقابل الترويج لها على (ياقات) قمصانها.