د. محمد المعزوز

تطرح علاقة الفكر بالواقع في السياق الجديد الذي يعرفه العالم، سؤالا مركزيا يتعلق بإعادة النظر في كثير من المسلمّات، التي صاغتها العلوم الإنسانية بخصوص هذه العلاقة، التي أصبحت تعيش اليوم نوعا من الاهتراء أمام عالم متحول باستمرار لم تعد قوانينه معروفة.

ومن بين إشكاليات هذه العلاقة: هل لدينا اليوم في عالمنا العربي فكر عربي يعّبر عن تعقيدات واقعنا، وتيهه الحائر بين السرعة التكنولوجية التي يشهدها العالم، وبين بناء دولة ومجتمع متماسكين ومتكاملين؟، وهل لدينا فكر يصوغ هذه العلاقة، ويفكك تعقيداتها في أفق بناء رؤية عربية متكاملة، يستنار بها للتخلص من أزماته؟.

بالاستناد إلى الواقع العربي مقارنة بما يجري في الغرب، نستنج أن فكرنا يتحرك في دائرتين منغلقتين، دائرة التقليد التي تصوغ بقوة المتخيل في علاقته باليومي وبالممارسة، ودائرة التشّبه بما أنتجه الآخر دون أية قدرة على نقدها أو تجاوزها، أما نتيجة الانحباس في هاتين الدائرتين، هو ركود المجتمع ودورانه اللاواعي في حلقة مفرغة، لأنّ بوصلة التفكير التي تحدد رؤيته للمستقبل مفقودة، ومن ثمة سقوطه فيما يشبه «الخبل» الذي يفضي به إلى إنتاج ظواهر غريبة عنه، كالجريمة والتطرف والإرهاب.، أي أنّ العمق الذي ينظّم توازنه الداخلي ويمده بأسباب التأقلم مع المتغيرات والقدرة على الارتقاء الذاتي غير متوفرين.

إن سقوط المجتمع في هذا «الخبل» يؤثر على مضمون الدولة، ويجعلها تعيش حالات ارتداد مستمرة تفضي بها إلى الفشل ثم الانهيار، لأن آفة هذا الارتداد تفرز قيادات أنانية متمسّكة بمصالحها الذاتية، تنتعش من غياب التوازن الداخلي للدولة في علاقته بالتوازن العام والمتكامل مع المجتمع.

ولذلك، نلحظ أن الدولة في بلادنا العربية تتجاهل الفكر وتخشاه، لأنه يردع بالمباشر نزعة الذاتية في الحكم وغواية الحكم الفردي.

إنّنا لا نكاد نعثر في هذه الدول على قرارات سياسية مبنية على أسس فكرية انتجها مفكرون ومثقفون عرب، ومن هنا كان العداء إما خفيا أو ظاهرا ما بين المفكر والدولة، وقد اتخذ تاريخيا مواجهات عنيفة انتهت إما بالتنكيل به، وإما بالتوجس منه، وإبعاده من الاستشارة ومن دوائر القرار.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب


إن غياب المحدّدات الفكرية لرؤى المستقبل في بلادنا العربية، جعل الواقع (الانسان) الذي نعيشه لا تربطه بالدولة إلا شكليات الإدارة والضوابط الأمنية، أما روحه فهي في جهات أخرى من العالم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تصوغ مثالها في العيش وفي نموذج الكائن الاجتماعي الذي تتوق إليه.

هنا سنجد أنفسنا أمام آفة مزدوجة أولها انفصال الواقع العربي عن أيّ ضابط فكري يؤطره، وميل هذا الواقع إلى بناء نموذجه الخاص عبر شبكات التواصل، وثانيها آفة الغياب الحقيقي لإنتاج فكري عربي يستوعب هذا الواقع ويتحرر من سلطة الدائرتين المشار إليهما أعلاه باعتبارهما كابحتين للإبداع والتجديد.