عبد اللطيف المناوي

تحفظ لنا الذكريات لحظات ساحرة قلما تتكرر كثيراً في حياتنا.. تأتي إلينا كلما كانت النفس في حاجة إلى بهجة وسعادة، وتظهر في وقت الهموم كنور يضيء الطريق، وكسبيل للشعور بما هو أفضل، وكصورة نتمنّى تكرارها.

هذا ما أتذكره دوماً عندما استعيد لحظات تواجدت فيها في مدينة «أصيلة» بالمملكة المغربية.. حيث كانت مدينة منسية غارقة في فقر كبير، بين بُنى تحتية متهالكة وموارد مهدرة وطاقات معطلة.

كان أمام محمد بن عيسى ابن مدينة أصيلة إما أن يهجرها ويتركها لحالها البائس أو أن يعيدها إلى الحياة، ويجعلها نموذجا يحتذى به، وبالفعل اختار التحدي وترشح لانتخابات البلدية ونجح فيها، ليشرع في بنائها.

بدأ بن عيسى مشروعه الذي أحيا به بلداً من العدم بفكرة شديدة التميز والتجدد وإيمان منه بأهل بلدته، وأيضاً إيماناً منهم، وقد يكون رهاناً منهم، بصدق رؤية ونيّة أحد أبنائهم، والأكيد أنهم كسبوا الرهان.

بدأ محمد بن عيسى حلمه وأصرّ على تحقيقه بكل السبل، اقترض وعمل ومرَّ بأزمات كثيرة، لكنه استطاع أن ينهض بـ«أصيلة»، والتي صارت أحد علامات المملكة المغربية، بل والمنطقة العربية كلها لما تميزت به من نهضة، ومن حراك ثقافي جاذب ومثمر، كما هو الأمر في ملتقاها المميز«ملتقى أصيلة»، الذي يعد من بين أعمدة إحياء المدينة.

وباعتراف كل من زار تلك المدية الجميلة صار الملتقى الذي ينظمه بن عيسى حدثا ثقافيا وفنيا مهما، يتحدث عنه الجميع، يعود من يشاركون فيه متمنين أن يكرروا التجربة في بلادهم.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب


لقد أصبح محمد بن عيسى فيما بعد سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة وواشنطن ووزيرا للثقافة ثم للخارجية.

يحكي بن عيسى عن بدايات التجربة وكيفية اشراك أهل مدينته فيها، قائلا:«السكان تقبلوا الفكرة بداية بالرسم على جدران المنازل.. سألونا: لماذا يصبغ هؤلاء الفنانين الجداريّات؟.. قلنا لهم: لأن مدينتكم جميلة ويريدونها أن تكون أجمل معكم، فقاموا كلهم يصبغون منازلهم.. كانوا يقدمون للفنانين الفطور والغذاء.. الناس فرحوا أن مدينتهم أصبح لها اعتبار.. يقرأون عنها في الصحف، ويشاهدونها على شاشة التلفزيون، ويزورها رجال الفكر والإبداع من مختلف أنحاء العالم».

تجربة بناء أصيلة ووضعها على خريطة الثقافة والسياحة والإبداع في العالم العربي جديرة بأن تُوثق، وأن يتعلم منها الصادقون.. أتمنى على المستوى الشخصي أن تتكرر في بلادي.