د.عماد الدين حسين

تواصلاً لمقالنا الأسبوع الماضي عن الغربة الرقمية الذكية، فحين تستيقظ صباحا أو تمسي مساء على صباحاتٍ ومساءات وردية وتلال من رسائل ودّية وتغريداتٍ على مدار الساعة، فتشكرهم، وتبادرهم بسؤال أو طلب مشورة أو تتابع أمراً هاماً سقط سهواً مع هذا الكمّ الهائل من الصور والنكات والأقوال المأثورة، فيأتيك الردّ بوردة أخرى، أو أبيات شعرٍ، أو مقطع فيديو كوميدي، أو إشارة يدٍ ترفع إصبع الإبهام، ليصبح المغزى والمقصود مُبْهماً تماماً، هل تُراه يتحدث إليك أم أنها رسالة أخطأت مسارها فوصلتك، وتدخل في متاهة محتوى يفتقد الأثر والقيمة المضافة... آنذاك ستشعر بالغربة الرقميّة.

وسؤال مشروع الى الغائبين الغارقين التائهين فى الرقمنة الذكية ووسائل التواصل الانتحارية: ما الفائدة المرجوّة من هذا السيل العرم من الرسائل والصور على مدار الساعة، والإقحام والاقتحام لحياتك فى كل شاردة وورادة رقمية لم يجد صاحبها طرفاً محددا، فآثر بضغطة إصبع أن يجعلها عابرة للقارات وللقريب والبعيد وكأنه يقول لك: أنا هنا رغما عنك؟ وهنا ستفكر بأنك بحاجة للبحث عن كوكب آخر غير رقمي يحترم عقلك وإنسانيتك... آنذاك ستشعر بالغربة الرقميّة.

ما أشدّ وطأة الغربة التي تستشعرها وأنت بين أهلك وأحبابك ورفقاء دربك وعائلتك الصغيرة الكبيرة ووطنك الأصغر الأكبر. غربة عصر الرقمنة الذكية السحرية التي ابتلعت إنسانيتنا، واستباحت خصوصيتنا، وسخرت من عقولنا ليكون والعدم سواء؛ السرعة فيه تسبق الضوء، والذكاء الإصطناعي يسيطر على وظائف كان يقوم بها الإنسان، عصر سيخسر فيه 5 ملايين شخص عمله وفقاً لـ «مجلس الأجندة العالمية» لـ 700 عالم وخبير من 75 دولة، وستحلّ محلها وظائف جديدة لم تظهر بعد.

ما أشدّ وطأة الغربة التي تستشعرها وأنت ترى العالم يتحوّل إلى فضاء تحكمه البصمة واللمسة والهمسة الواحدة. أما أنت أيها الإنسان فعليك أن تتهيأ لاستقبال الثورة الصناعية الرابعة. ثورة ستطرق باب بيتك إن لم تكن قد حلت بالفعل. عليك أن تشيد لذاتك في صحراء التكنولوجيا واحة خضراء بقلاع منيعة من إنسانيتك ومشاعرك وقيمك تحميك من صناع الغربة الرقمية الذكية إذا ما حاصروك وجعلوا من حضورك عنوانا للغياب...

ما أشد الغربة وأنت تظن أنك تمتلك كل أدوات العصر، بينما أنت لا تملك حتى ذاتك بعد أن هامت في فضاء العالم الافتراضي الرقمي الذكي.


أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب