د. انتصار البناء

أن تخوض في الممنوعات، أن تتكلم حيث يفرض عليك الصمت، تلك مهام تحريضية قد تضيق الأدوات الثقافية عنها، فتبقى الرواية هي الأقدر على أدائها، رواية حابي للأديب الكويتي طالب الرفاعي، هي صوت يكسر حواجز الممنوع، ويكشف مناطق «الطابو» التفصيلية، التي تبدو مساحاتها أكثر اتساعا مما نظن.

تدور الرواية حول (ريان) المراهقة التي تكتشف أن لديها مشكلة في الهوية الجنسية بسبب تشوه خلقي ناتج عن زواج الأقارب، فتخوض بدعم من والدتها معركة قاسية أمام والدها وأخواتها وعماتها لإتمام إجراءات (تحولها) إلى ولد، بعد أن استوفت الشروط الطبية والقانونية، وتكشف الرواية عن الغايات (اللاحقوقية) التي يتذرع بها معارضو (تحول) ريان، المتمثلة في الستر والخوف من الفضيحة، والخشية على المصالح الاجتماعية، والتوجس من استئثار وريث ذكر على نصيب البنات، كما تبرز الرواية الرغبات الخفية عند الأم للانتقام من الأب وخياناته بكسر إرادته والمضي في إتمام تحويل ريان البنت إلى ريان الولد.

الراوي هي ريان ذاتها، يتطور الصوت الروائي من صوت أنثوي إلى ذكوري، في رحلة برزخية تبين ازدواجية نظرة المجتمع إلى الفتاة والولد، بل ونظرة الفرد إلى نفسه حين يكون فتاة، وحين يصير ولدا.

إنه التشوه الحقيقي في المجتمع، وليس التشوه الجيني الذي ينتج عنه اضطراب الهوية الجنسية، فالخوف الذي كان يستعمر ريان الفتاة يبدأ بالتلاشي شيئا فشيئا في تحولها إلى ولد.. الذكورة هنا هي الشجاعة في مقابل الأنوثة الخائفة.. لماذا؟.

وقد عبرت ريان غير مرة عن ازدرائها للجسد الأنثوي الذي كانت تحلم بالتخلص من أجزائه ورؤيتها مرمية في سلة قمامة المستشفى في تايلند!.

التشوه المجتمعي طابع اجتماعي تتكون سماته من استغلال مفاهيم الدين لتحقيق الغايات الذاتية، وازدواج مفهوم الشرف الذي يبيح الخيانة والكذب والإيذاء ولا يقبل تفهم معاناة الآخرين الحقيقية، والخوف والترهيب الذي يحكم العالم الداخلي لريان هو تشوه اجتماعي ينم عن فقدان خيوط التواصل والتفاهم والتفهم، وسيطرة القوانين الاجتماعية للاستعلاء والإخضاع.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب


نجحت رواية حابي في أن تثير في المتلقى تداعيات (التجربة الافتراضية)، أي أن تضع نفسك مكان الشخصية الروائية، وأن تتبنى موقفها، وتساهم في الدفاع عنها، وهي وسيلة فنية (ناعمة) لإبلاغ رسالة الرواية، وإقناع القارئ بمضامينها، وحثه على تفهم وجهات النظر الأخرى في الحياة.

رواية حابي تطرح رسالة معادية للأنانية: أن تقبل بتحول قوانين المجتمع، وأن تتفهم الحق الوجودي للآخرين حتى وإن خالف القناعات التقليدية السائدة.. فهل تقبل؟.