د. شهد الراوي

تمر على الكاتب أيام في السنة تنفتح فيها شهيته القصوى نحو القراءة، يشعر فيها بأن شيئاً من هذا العالم يمضي بسرعة فائقة من دونه.

هناك عشرات الكتب التي تصطف في الدرج، والتي تأجلت قراءتها لأسباب خارجة عن إرادته، وإن الوقت لم يعد كافياً لكي يباشر القراءة، فالحياة ومشاغلها ليست متسامحة مع ترف أن تقرأ 6 ساعات أو أكثر في اليوم، وهذه الأيام أعيش هذا الهوس غير المسبوق في التخلص من هم الكتب التي ترمقني بنوع من الغضب.

أغلق العالم من حولي وأفتح الكتاب الأول، وبعد نوبة من الملل الضروري، أتناول الكتاب الثاني واستغرق في صفحاته، وعند المنتصف يكون الكتاب الثالث على الطاولة، وقد وصلت فيه إلى صفحة طويت من الأسفل.

وها أنا عالقة في 3 كتب دفعة واحدة، 3 عوالم مختلفة يستدعي الخروج من أحدها إلى الآخر أن أتخلص من مزاج لأدخل الآخر بكل رحابة.

وهكذا أتقدم بالصفحات وأنا أعيش العوالم المتنافرة والمتفاوتة في إيقاعها، ولكنني أشعر بأن عالمي الشخصي أصبح أكثر اتساعاً، وصارت الحياة تتقدم على 3 دروب قصية.

الكتب كثيرة والوقت لا يتسع.. تقول عبارة مستهلكة تتكرر على موقع للقراء في إنستغرام. لكن لحسن الحظ، إن دماغ الإنسان ليس كمعدته، فهناك دائماً متسع للمزيد.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب


رواية لماريو فارغاس يوسا، وكتاب في الأنثروبولوجيا عن شعوب ما بعد الاستعمار، وكتاب عن الثورات في العالم الحديث.

روعة أن يطردك الملل من أحدها إلى عالم الآخر، هي حالة جديدة لم أجرب مثلها من قبل. تعودت في حياتي أن أمضي على خط مستقيم في كتاب واحد ثم أعود إلى حالة الاسترخاء ليصادفني كتاب آخر وهكذا.

هذه أول مرة أشتبك فيها مع القراءة الأفقية، حيث السير بثلاثة أمزجة في الوقت نفسه.

الكتب تنقذنا من عالم المعلومات المتدفقة إلى عالم المعرفة الحقيقية، إنها السعادة البديلة التي توفر ذلك النوع من البطء اللذيذ ضد عالم يتسارع في جنونه دون كوابح.

في نهاية الأسبوع، سأنتهي من مرافقة الأصدقاء الثلاثة لأعود إلى دفء الكتاب الواحد، ذلك الذي أهرب به إلى زاوية دافئة من البيت وأبعده عن العيون مثل حبيب يبوح بالسر.