د. محمد عبد الستار

في أواخر يناير 2020، أعلنت منصة تويتر عن مبادرة لمحاربة «التضليل والتشويه» الذي يمارسه المستخدمون، وذلك بإشراكهم في الإبلاغ عن المعلومات المضلّلة على المنصة، من خلال مشروع يحمل اسم «بيرد ووتش» أي (مراقبة الطيور) حيث يسمح للمستخدمين بالتعريف عن التغريدات التي يمكن أن تكون مضلّلة أو مزيّفة، بهدف تمكين الشركة من استئصال محتوياتها الضارة.

والحقيقة أن شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها، أصبحت تعج بالمحتويات المضللة وبالقذف والتشهير، وأصبح من الصعب محو أضرارها على المستهدفين، أو متابعة المجرمين الإلكترونيين قضائياً، ذلك أن المنظومات القضائية في كثير من الدول تبدو غير متماسكة مقارنة بالتطبيقات والاستخدامات التي تتيحها هذه الشبكات.

كما أن إتاحة «استخدام الهوية الرقمية» للمستخدمين، وهي في الغالب هوية غير حقيقية تمنح «المجرم الإلكتروني» فرصة أكبر للتضليل والقذف والتشهير والاحتيال.

وبات «المستخدمون النبلاء» لأغراض ذات فائدة كالتواصل الإنساني وتبادل الأخبار والمعلومات والأفكار والتثقيف والترفيه والتجارة، مستائين مما يمكن تسميته «انحراف الرسالة» عبر هذه الشبكات؛ ما يترك آثاراً كبيرة على الوسيلة أي هذه الشركات.

في التسعينيات عندما بدأ الحديث الإعلامي الكثيف عن الإنترنت، شبّه أحدهم مصيرها بمصير تمثال لنحات يوناني، حيث جاء في الأساطير أنه رسم تمثالاً لامرأة جميلة، وتفنن سنوات لكي تكون بشكل جذاب ومثير، ولما أصبحت كذلك، اتجه إلى آلة الحياة متضرعاً لكي ينفخ فيها الروح، وظل يتردد على المعابد حتى كان له ما يريد، وعندما دبت فيها الحياة شقي بحبها شقاوة لا مثيل لها، فدمرها تدميراً.

ينطبق هذا التوصيف تماماً على شبكات التواصل الاجتماعي، بسبب المستخدمين الذين لا يحترمون قواعد السلوك، فالإنترنت وكل ما تتيحه من تطبيقات أنتجت مجتمع الإعلام والمعلومات والمعرفة والذكاء الإنساني والعقل الخلاق، لكن مثلما في المجتمع الحقيقي يجب احترام الآخرين.

عندما شعرت شركات تويتر وفيسبوك وغيرهما، بخطورة تصريحات ترامب على المجتمع الأمريكي ديمقراطياً واجتماعياً، عمدت إلى حجبها، دون اعتبار ذلك مساساً بحرية التعبير، لأنه من الطبيعي أن الحرية عندما تؤدي إلى الدمار لا تصبح حرية إنما شيء آخر.

وما حدث في الولايات المتحدة مرة، يحدث في بلدان أخرى مئات المرات في اليوم، حيث يتم استهداف الأشخاص والشخصيات والأعراض والثقافات والدين بهويات مستعارة فيعجز القضاء عن ملاحقة بعض المتهمين.

لذلك يتعين فعلاً على الشركات «الوسيلة» أن تمنع الرسالة المدمرة، لأنها مدعاة لتدمير الوسيلة.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب