سارة المرزوقي

تحدث بعض الإشكالات بين الأجيال المختلفة في عصرنا نتيجة فجواتٍ معرفيّة، لكن الغالب منها يحدث نتيجة ثغرات في الخطاب المُستخدَم، فكل خطاب يحمل في طياته سياقات ظرفيّة مزدحمة بمعطيات كفيلة بإرسال شحنات نفسية، أو إطلاق العنان لتراكيب ذهنية محددة لدى المتلقّي.

وبما أن الخطاب يهدف بطبيعة الحال إلى إحداث تأثيرٍ بدرجةٍ ما، فقد يعمد بعض مهندسي الخطابات الثقافية أو الإعلامية أو الدينية ـ على سبيل المثال - إلى اعتماد قوالب جامدة في سياقات حديثة تسبّب الفصل بين الخطاب والمستقبل، بهدف خلق وعيٍ خاص مرتبط بحالة محددة يفرضها الخطاب.

وقد يميل بعض تلك الخطابات إلى مداعبة تصوّرات ذهنية لدى المتلقّي، فيشعر بأن شيئاً ما ناقص على الدوام، فتحيله إلى حالة غير مفهومة من النوستالجيا تجاه زمنٍ جميل، ليبدو هائماً باحثاً عمّا يسدّ هذا النقص، أو ساخطاً على واقعه في أسوأ الأحوال.

ولا يكمن هذا النقص في متلقّي اليوم وواقعه بل في الخطاب نفسه ودوافعه، فإذا كان الخطاب جامظلّ داً، أسير سياقات لا ينطبق كثير منها على هذا العصر، ويقع المتلقّي هنا ضحية هذا الجمود الذي انتقل من الخطاب إلى عقله، فيعيش في ألقٍ ماضوي يظنّه غائباً في واقعه، متجاهلاً أن للواقع ألقاً مختلفاً.

وإذا افترضنا حسن الظن بمهندسي الخطابات والقائمين على صناعته وتحليله، فإن كل خطاب يمكنه استيعاب الظروف المتغيرة، ليتطوّر مع هذه الظروف بما لا يخلّ بالأهداف النبيلة المتجرّدة من الدوافع الذاتية والميول الشخصية.. فهل نعود بالحاضر إلى الوراء ليواكب الخطاب أم نجدّد هذا الأخير ليواكب الحاضر والمستقبل؟


أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب