عصام زكريا

«شيهانة»:

تظل قصة تنظيم داعش الإرهابي صفحة سوداء في تاريخ المنطقة والعالم، تحتاج إلى دراسة، وتأمل، وحرب مستمرة ضد أفكارها المتطرفة، المتخلفة، التي تروج للموت والبشاعة.

حتى الآن لم تقدم السينما العربية قصة التنظيم الإرهابي على حقيقتها، باستثناء بعض الأفلام الوثائقية القليلة، وبعض الأعمال الروائية التي استلهمت عدداً من القصص الواقعية، مثل فيلم «الموصل» العراقي (إخراج البريطاني ماثيو مايكل كارنهان، 2020)، و«الفزعة 25» للسوري قصي العيسمي.





من هذه الأعمال فيلم «شيهانة» للمخرج المصري خالد الحجر الذي يعرض على منصة «شاهد».

الفيلم الذي أنتجته قناة SBC كان من المفترض أن يعرض في بداية العام الماضي، ولكن تأجل عرضه بسبب جائحة «كوفيد-19»، قبل أن يحل ضيفاً على منصة «شاهد»، وهو يروي قصة حقيقية وعجيبة، من تلك القصص الحقيقية العجيبة التي تتعلق بداعش والتنظيمات الارهابية المماثلة، والتي تتلخص في قدرة هذه التنظيمات على استغلال الظروف الاقتصادية والنفسية والعقلية لبعض الأفراد الضعفاء، السيكوباتيين، لجذبهم إلى التنظيمات، بحثاً عن انتماء، وهدف للحياة، ومبرر للقتل والعنف الدموي.

أخبار ذات صلة

جي ريتشي يخرج النسخة الواقعية من هيركيوليز
أميرة «ديزني» في «ذي برينسس».. مقاتلة شرسة لا تنتظر من ينقذها

المدهش في فيلم «شيهانة» أن الضحية هذه المرة هي امرأة سعودية في منتصف العمر، أرملة، وأم لطفلين، ابن في الـ13، وابنة في الـ11، مستقرة مادياً، تعيش في مدينة الرياض، تقرر ذات يوم أن تهرب من بيت أبيها وأمها، مصطحبة طفليها إلى «إسطنبول» في تركيا، بزعم أنها تصطحبهما في إجازة، ولكنها تخطط للذهاب بهما إلى سوريا، وبالتحديد لمدينة الرقة، معقل تنظيم داعش الإرهابي!



ما لم تضعه في حسبانها المرأة التي اصطحبت طفليها إلى معسكر الموت، هو تمرد ابنتها الصغيرة التي تتمسك بطفولتها البريئة ومباهج الحياة، وترفض تماماً أن تخضع أو تندمج في هذا المجتمع المغلق، الذي يعتبر فيه المنع والضرب والذبح والقصف والجنس باسم الشرع من مفردات الحياة اليومية.

الطفلة التي تدعى شيهانة، والتي يعني اسمها أنثى الصقر، هي بالفعل أشبه بصقر يرفض السجن، ويحب التحليق في الأعالي، ولذلك لا تكف عن محاولات الهرب، في الوقت الذي تسعى فيه القنصلية السعودية في تركيا استعادة الأسرة الضالة.

الفيلم نموذج للإنتاج العربي المشترك الجيد، حيث ساهم في دعمه أكثر من شركة وهيئة من السعودية والأردن ومصر، بجانب فريق عمل يضم فنانين من بلاد مختلفة، وقد تم تصوير الفيلم في عدة بلدان منها السعودية وتركيا والأردن.



الفيلم من تأليف وفاء بكر التي نجحت في إعطاء القصة بناءً بوليسياً تشويقياً، ولكن يعيب السيناريو كثرة الحوار بشكل زائد عن الحد ومفسد للقوة التعبيرية للصورة والصمت.

تلعب شخصية شيهانة الطفلة الموهوبة ليان الشهري، ولكن كثرة الحوار المفروض عليها من ناحية، وتوجيهات المخرج لها بالإفراط في التعبير بالوجه والجسد وعدم السكوت للحظة واحدة، والإصرار الساذج على أن تمسك دائماً بدمية أطفال، أو زهور، كل هذا ضيع الكثير من موهبتها.

وينطبق الأمر نفسه على ميسون الرويلي في شخصية الأم، فهي اختيار غير موفق، لكثرة عمليات التجميل والماكياج التي يحفل بها وجهها، وهو ما يتناقض مع امرأة متطرفة دينياً تسعى للقتال مع «داعش»، ولأن تعبيراتها مبالغ فيها.

هذا الإفراط في التعبير بشكل عام هو العيب الأساسي في الفيلم، الذي يؤثر سلباً على الكثير من عناصره الجيدة، مثل تصوير المعارك وتجسيد شكل الحياة في الرقة معقل الدواعش.

المخرج خالد الحجر


«شيهانة» فيلم مهم في معركة المصير الدائرة بين قوى التحضر، وقوى الإرهاب التي تسعى لتدمير العالم العربي والإسلامي بالكراهية والعنف. وشخصية «شيهانة»، التي تجسد البراءة والمستقبل من أجمل الشخصيات الدرامية التي قدمت في الأعمال الفنية التي تتناول هذا الصراع.. لولا هذه النزعة التعليمية الصارخة والتنفيذ المدرسي.