عصام زكريا

في إطار سعيها لمزيد من التواجد في السوق العربي، أسوة بباقي أسواق العالم، تسعى منصة «نتفليكس» لإنتاج أعمال عربية (أفلام، مسلسلات، وثائقيات، برامج) يمكن مشاهدتها في العالم كله، وليس في العالم العربي فقط، وبالتالي تخضع لشروط المنصة الفنية ومنها أن يكون المحتوى مشوقاً وجريئاً وجاذباً للجماهير العريضة من المشتركين في المنصة.

كان الإنتاج الأول هو مسلسل «ما وراء الطبيعة» للمخرج عمرو سلامة عن قصص أحمد خالد توفيق، وقد راهنت المنصة على نوعه الفني (الرعب والفانتازيا) الذي يعد من أكثر الأنواع الفنية نجاحاً هذه الأيام، وخصصت له إنتاجاً ضخماً نسبياً، مقارنة بإنتاجات السوق المحلي وقامت بترجمته إلى أكثر من 30 لغة، وعمل نسخ صوتية (دوبلاج) بأكثر من 9 لغات، وحقق العمل نجاحاً كبيراً في العالم العربي ومتوسطاً في أنحاء العالم.



بوستر الفيلم


في أول إنتاج سينمائي عربي لنتفليكس، وهو فيلم «أصحاب ولا أعز» راهنت المنصة على عمل شبه مضمون النجاح: اقتباس مباشر عن فيلم إيطالي بعنوانPerfetti sconosciuti وبالإنجليزية Perfect Strangers من تأليف فيلبو بولونيا وإخراج باولو جينوفيزي، صدر 2016.

وحققت النسخة الأصلية نجاحاً كبيراً جماهيرياً ونقدياً وحصلت على عدد من الجوائز الدولية كأفضل سيناريو، ما دفع شركة إنتاج يونانية على صنع نسخةremake منه في العام نفسه، ثم توالى صنع نسخ من الفيلم في بلاد مختلفة بلغات مختلفة: إسباني، تركي، فرنسي، كوري، مجري، عبري، صيني، روسي، ألماني، ونسخة هندية لم تشر للأصل، من بين بلاد ولغات أخرى.

أخبار ذات صلة

جي ريتشي يخرج النسخة الواقعية من هيركيوليز
أميرة «ديزني» في «ذي برينسس».. مقاتلة شرسة لا تنتظر من ينقذها

لقطة من فيلم أصحاب ولا أعز


ومن الطريف أن طبعة 2019 من موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية أوردت اسم الفيلم باعتباره أكثر فيلم تم إعادة إنتاجه في تاريخ السينما، بـ18 إعادة إنتاج وصلت الآن إلى 22 نسخة، وربما تكون معلومة موسوعة «غينيس» غير دقيقة، فهناك أعمال أخرى في تاريخ السينما تم إعادة إنتاجها عشرات المرات، ولكن ربما تكون غير موثقة كما حدث معPerfect Stranger. لكن هذا لا يمنع أنه واحد من أنجح الأفلام وأكثرها قبولاً في بلاد العالم المختلفة. ومن هنا جاء حماس «نتفليكس» للفكرة والموضوع، وتم الاتفاق على المشروع مع شركة Front Row Entertainment العالمية مع الاستعانة بالمنتج المصري محمد حفظي ليضع اسم شركته «فيلم كلينيك» على الفيلم ويكون بمثابة منتج منفذ له، وتم تكليف اللبناني وسام سميرة بكتابة النسخة العربية وإخراج الفيلم.

كما استعانت نتفليكس بعدد من أكبر الممثلين في العالم العربي: المصرية منى زكي، الأردني إياد نصار، اللبنانيين نادين لبكي، دياموند بوعبود، عادل كرم، فؤاد يمين وجورج خباز.

مثل الأفلام السابقة يروي «أصحاب ولا أعز» قصة سبعة أصدقاء يلتقون على العشاء وبناء على اقتراح إحدى الصديقات يلعبون لعبة خطيرة تتمثل في فتح هواتفهم أمام بقية الأصدقاء ليقرؤوا الرسائل ويستمعوا إلى المحادثات التي تردهم، وبمرور الوقت يتبين أنهم جميعاً يخفون أسراراً محرجة لا يستطيعون أن يعلنوها أمام الآخرين، ثم تنتهي الليلة ويبدو وكأن اللعبة لم تحدث، إذ يعود كل منهم إلى حياته قبل العشاء، ولا يعرف المشاهد هل الأحداث جرت فعلاً أم أنها كانت مجرد خيال وافتراض.

لقطة من فيلم أصحاب ولا أعز


أثار الفيلم بمجرد بثه على منصة «نتفليكس» الأسبوع الماضي جدلاً هائلاً وهجوماً على صناعه وتقديم استجواب في البرلمان المصري، وتركزت الاعتراضات على بعض الألفاظ المذكورة في الفيلم، وعلى بعض العلاقات مثل وجود شخص مثلي وفتاة مراهقة ترغب في المبيت لدى صديقها.

والحقيقة أنه لا يوجد لفظ واحد أو علاقة واحدة بالفيلم لم يتم تناولها في أفلام عربية أخرى، خاصة في السينما اللبنانية والمصرية، بل يمكن العثور على مشاهد مماثلة في أفلام قديمة بالأبيض والأسود.

منى زكي وإياد نصار في لقطة من فيلم أصحاب ولا أعز


ربما يكون سبب الغضب هو تركيز الفيلم على هذه الأسرار التي تطال كل الشخصيات بلا استثناء، ولكن هذه هي فكرة العمل الأساسية، حيث لدى كل إنسان أسرار، في الوقت الذي تعتبر فيه الهواتف النقالة قنبلة موقوتة في حياتنا، وهي فكرة تؤكدها صفحات الحوادث كل يوم، بما تحتويه من جرائم ومصائب بسبب الاستخدام السيئ للهواتف النقالة.

من ناحية الإنتاج يتميز «أصحاب ولا أعز» بأنه عمل غير مكلف إنتاجياً، حيث ينحصر التصوير في مكان واحد تقريباً، وخلال زمن محدود، وهو مثال على الإنتاج المنخفض الذي يعتمد بالأساس على قوة المضمون والسيناريو.

لقطة من فيلم أصحاب ولا أعز


ومن الناحية الفنية يتميز الفيلم العربي بإخراج جيد وتمثيل بارع من فريق الممثلين، ما يضع السينما العربية على قدم المساواة والقدرة على المنافسة مع بقية سينمات العالم، ويكشف حجم المواهب المهدرة في أعمال نمطية ضعيفة.

باختصار، ومهما كان الجدل المثار حول «أصحاب ولا أعز» فهو يثبت أن مشكلة السينما والدراما العربية تكمن في السيناريو والمضمون، وربما لو كان سيناريو الفيلم ضعيفاً لما أثار كل هذا الجدل. ولكن السؤال هل يؤثر هذا الجدل على مشاريع نتفليكس للإنتاج في المنطقة العربية أم يكون حافزاً لمزيد من الإنتاج؟