فاطمة اللامي

لو تفكّر الإنسان قليلاً في قدراته الذاتية وميزاته الشخصية، والتباين في مستوياتها بين مخاليق رب العالمين، لوجد أن جميع البشر شبه متساوين فيها، فكلنا نخضع لمعادلة «24 قيراط» الربانية، فما قصر فيك قد تجده مرتفعاً عند غيرك، والعكس صحيح، فكلنا في النهاية نشءٌ رباني عادل وفق تلك المعادلة.

في بدايات ظهور الكمبيوتر، لم أنتقِهِ، كنت أرسل كتاباتي إلى الصحيفة عبر الفاكس، ولم يكن آنذاك استخدامه معمماً في العمل، ولم تكن ضرورة الحصول على رخصة قيادة حاسوب لازمة لكل الموظفين كما الآن.

فقبل انتشار مراكز متخصصة لتعليم مهارات الكمبيوتر، كان معظم الناس «يُطقطِقون» ويجتهدون بأنفسهم في اكتشاف خبايا هذا الجهاز، السحري، الأعجوبة، ففي بدايات ظهوره، حرص معظم من انتقوه على إنشاء بريد إلكتروني بغرض التراسل فقط، وبقيت معظم أغراض استخداماته ومزاياه الأخرى غير معلومة للجميع.

بقيت أنا خارج نطاق الخدمة الإنترنتية، أتحاشى خطوة الولوج لعالم النت، وبالرغم من جدواه بالنسبة لي، التي كانت ستوفر عليّ الوقت في الكتابة والتدوين والتراسل، إلَّا أني لم أعره اهتماماً، وقدرّت بأن حاجتي له محدودة، وليست ضرورة.

اقتنى أخي جهاز كمبيوتر، وبمساعدة أصدقائه الذين لديهم الشغف بالأعجوبة التكنولوجية، أصبح عضيدي ضليعاً في استخدامه، وأنا على وضعي؛ مستمتعة في تدوين خربشاتي في دفاتري وبأقلامي الملونة كطالبات المدارس، وكنت حينما أخطئ أثناء الكتابة، أستخدم قلم التصحيح، وأرسل المادة للصحيفة.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب

مع الوقت، بدأ الملل يتسلل إلى نفسي، وذراعي بدأت تؤلمني، وبدأت أتراخى عن طقوس الكتابة، وأوراقي ومسوداتي ملأت أدراج غرفتي، ولإنهاء هذه المعاناة، قررت اقتناء حاسوب شخصي.

وضعت الاختراع العجيب على سطح مكتبي، وبدأت «أُطقطِق» بنفسي، وبالرغم من استعانتي بكُتيّب تعليمي، إلاّ أني لم أفلح لوحدي، فطلبت مساعدة عضيدي إلاّ أنه رفض قائلاً: «اتعلمي لوحدك»!.

اتكأت على ذاتي، «تمرمرت» ليالي عديدة؛ بخاصة حينما أفقد مادة شبه كاملة للنشر بسبب ضغطة خاطئة بأصبعي، وأمام هذا العجز، كنت لا أملك سوى البكاء في وجه هذا الأصم، معاودة كتابة النص من جديد متكئة على ذاكرتي في استحضار وتجميع شظاياه المفقودة!.

ولإنهاء هذه المعاناة، سجلت في دورة متخصصة لتعليم الحاسوب، واجتزتها بنجاح جيد.

وفي يوم ما سمعت عضيدي يتصل يطلب مساعدة مبرمج للحواسيب، فسألته بماذا تريده أن يساعدك؟ فأجابني: لا أعرف أين علامة ( _ ).

فتناولت لوحة مفاتيح جهازه، وبرشاقة عازفات البيانو، نقشتُ بأناملي (_ )؛ وعيناي في عينيه كأنهما تقولان له: «الحياة يا عضيدي: علمني وأعلمك»!.