د. انتصار البناء

مند مدة عرضت قناة BBC برنامجاً وثائقياً عن الاستغلال السيئ لزواج المتعة في بعض المدن العراقية الفقيرة، البرنامج كان على قدر كبير من الجرأة في تتبع القضية.

عرض قصصاً صادمة عن رجال دين (تاجروا) بنساء قاصرات أو أرامل باسم الزواج، وعن نساء تحولن إلى ما يشبه (بائعات هوى) شرعيات بسبب الفقر والحاجة أولاً، ونتيجة التورط مرة بعد مرة في زيجات المتعة السريعة، واحد من أكثر المشاهد إيلاماً وقسوة، وكان تدبيراً مفتعلاً من فريق القناة، تجرأ فيه أحد رجال الدين على عقد زواج متعة عبر الهاتف بين شاب عراقي يتجاوز الـ30 (وطفلة) لم تتجاوز الـ13 عاماً!

الفيلم يتجاوز في دلالته القصص العامة والمؤلمة إلى التعريج على أن النساء هن الحلقة الأضعف في الصراعات والأزمات وانهيار الأمم، حيث تتحول النساء إلى بضاعة رابحة ويصير الظرف المأزوم موسماً مزدهراً لتجارة رائجة يتدفق إنتاجها كلما زادت الظروف سوءاً.

وأول شرط لرواج نشاط تجار البشر هؤلاء هو سقوط القانون وتشتت مصير الناس بين قيادات متعددة تشكل حصانة مرجعية لهؤلاء التجار، والشرط الثاني هو انهيار الاقتصاد الذي يدفع كثيراً من الناس إلى بيع أنفسهم بالجملة أو المفرق، والشرط الأخير هو انهيار منظومة القيم الإنسانية المتفق عليها، واستبدالها بأقوال متعددة وتأويلات كثيرة تبرر مشروعية مثل تلك الممارسات.

وفي السنوات الأخيرة في دولنا العربية دارت سجالات كثيرة حول قوانين الأحوال الشخصية والتي تنم عن حالة تراجع فكري خطير، حيث وصل الأمر في بعض الدول إلى المطالبة بإلغاء مادة تحديد سن الزواج الأدنى للفتيات، وقد نجحت بعض البرلمانات فعلاً في إلغاء المواد الضابطة لهذه المسألة.

ولا يزال إصرار كثير من الجماعات الدينية والأحزاب السياسية ينصب على إحالة قوانين الأحوال الشخصية إلى الأديان والمذاهب المتعددة، التي ستفرخ عدة نسخ من القانون ولن ينضوي المواطنون تحت قانون واحد يتعامل الجميع معه بالتساوي.

أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30


إن الاختلاف مع هذا النهج ليس خلافاً على الدين أو المذهب، بل هو نقاش موضوعي حول مفهوم الدولة والمواطن، ومن يحمي المواطن في ظل قوانين قد تتجاوز سلطة الدولة وصلاحيتها، ومن سينقذ المواطن في ظروف الفوضى والاستغلال والابتزاز، ومن يملك القول الفصل في توصيف سلوك ما بالشرعي أو الإجرامي.

الأزمات القاسية التي مرت بها دولنا وأدت إلى إعادة العبودية والرق والقتل خارج القانون، لا بد من أن تدفع المشرعين والناشطين الحقوقيين لوضع ضوابط تحمي الفئات الضعيفة من أن تتحول إلى سلعة شرعية بيد تجار متعددين.