د.عماد الدين حسين

«ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفمُ الزمان تبسمٌ وثناءُ»، اهتزَّ له الكونُ، فكان نورًا ما بين المشرق والمغرب أضاء، فهلّت تباشيرُ الخير، واستنار العقلُ وانمحى الشرُّ، وتضوعتْ مسكًا به البطحاءُ، وتجهّم الجهل وعمَّ الضياءُ الأرجاء، وانقشعت بقدومه غياهبُ الظلمات.

لم يمضِ على ميلاد الهدى سوى حقبة من الزمن حتى عمّت رسالةُ الإسلام السمحةُ الوسطيةُ أرجاءَ الأرض، لتطرقَ البشارةُ المحمديّة كلَّ حدبٍ وصوب.

في ذكرى مولد خير الأنام، نحتفي بقدوم حامل الرسالة، ومؤدي الأمانة، القائد الفذّ والعلامة الفارقة في تاريخ البشرية جمعاء، الذي انطفأت بقدومه نارُ المجوس، وانشقّ له إيوانُ كسرى، وانتكست أصنامُه، فكانت إرهاصاتُ بعثته صلى الله عليه وسلم من يوم مولده.

ولد الهدى فصار نبيًّا معصومًا ورسولًا مبشرًا ومعلمًا قائدًا، بنى دولةً مكتملة المؤسسات بجهدٍ بشريٍّ دؤوب، فلم يكن صلى الله عليه وسلم الرجلَ المعجزةَ الخارق، وإنما كما وصفه الحق سبحانه: «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا» [الإسراء: 93].

إن المتأمّلَ في سيرته العطرة الحافلة بالمآثر والمناقب والدروس والعظات والإشراقات وجوامع القيم الإنسانية يقف منبهرًا أمام تلك النقلة النوعيّة التي أحدثها خلال سنوات الدعوة في مجتمعه، اجتماعيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا وعقائديًّا، تمكن خلالها من تغيير مسار العقول والأنفس من عبادة الأوثان وتقديسها إلى توحيد الواحد الأحد، ونبذ العنصرية والجهالة والقبلية، وتعظيم شأن العقل والعمل والعدل والإحسان.. سنواتٌ معدوداتٌ استطاع خلالها عليه الصلاة والسلام أن يجعل دعوته دستورَ حياةٍ صالحًا لكل زمان ومكان، ليبرهنَ أن الإسلام ليس حركةً تحدّها حدود، لكنه رسالةٌ للعالمين، أحسنَ صلى الله عليه وسلم عرضَها بيقينٍ ومنطقٍ مبين، ليؤسسَ نموذجًا يُحتذى، يجعلُ العالمَ الأمريكيَّ مايكل هارت يُصدّرُ به كتابه: «الخالدونَ مائة.. أعظمُهم محمدٌ رسولُ الله».

تتعاقب الأجيالُ، وتمر السنون، ويشهد كلُّ عاقل أن هذا القائد إنما هو حاملُ رسالة سماوية، هي منهجٌ تشريعيٌّ شموليٌّ، نستقي منه الفِكرَ المستنيرَ ونستلهمُ العِبَرَ والخبرَ والدليل، ولا نقف عند سرد الأحداث وتدوين الوقائع، بل تحليل سيرته عليه الصلاة والسلام، لننطلقَ اليومَ ونقيمَ البنيانَ على الأساسِ ذاتِه.

أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30


ولد نبيُّ الرحمة وعاش مثلنا حياةً واحدة، إلا أن دعوته بقيتْ خالدة، وسيظلُّ الأثرُ العميقُ لسيرته ونموذجه المتفرد نابضًا في داخل كلٍّ منا حتى قيام الساعة.. صلى الله عليه وسلم.