باسمة أبو شعبان

«كيف لي أن أستمر في هذه الحياة، فقد رحلت من كانت توفر للحياة كل الضروريات، توفر المأكل والمشرب، توفر الحب والقلب الكبير، توفر الراحة في المسكن، تسعى ما بوسعها لكي تجعلها مبهجة لإنسانٍ مثلي، تجاوز سنه الثلاثين بسنوات، ولم يتمكن من الزواج، فالضائقة كانت خانقة، هي وحدها من تَحَمَّلَ مسؤولية قلب الأمور لتقنعني بالنصف الممتلئ من الكوب، وبالفعل، بفضلها سارت الأمور ومرت السنوات دون أن أشعر، لكنها رحلت وتركتني أصارع وحدي».

حزن لفراقها، خاصة أنها عانت من الألم والوهن وضيق التنفس والحرارة والسعال، لم تكن تستحق هذه النهاية، فهي أعظم سيدة في نظره، وأكثر الأمهات تضحية من أجل أبنائها، ورغم أنها اطمأنت عليهم جميعاً، إلّا آخرهم هذا الذي لم يتسنَ له الزواج والإنجاب بسبب ضيق ذات اليد.

كانت واعية لأزمة كورونا كل الوعي، حريصة على تنفيذ كل التعليمات لتفادي الإصابة، بينما لم يكن ابنها جاداً في اتخاذ الاحتياطات، ربما نبع ذلك الإهمال من ثقته بأنه شاب بكامل طاقته وصحته، وأن أمه أكثر نبضاً وطاقة وحيوية من الشباب، وهي بالفعل كانت كذلك والدافع كان حرصها على منع أي منفذ لليأس ليتسرب إلى ابنها، الذي لم يهنأ بالاستقرار بعد.

أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30

والآن انفتحت كل المنافذ مع غيابها، فتسرب اليأس، وبات متأكداً بأنه كان المتسبب في قتلها، كان يخرج ليقضِي الحاجيات، ويعود لها ليقبل رأسها ويديها ويغدق عليها بالعاطفة، وذلك من شدة حبه لها وحرصه عليها، وعلى استمرارية بقائها، فنقل لها الفيروس الذي لم تتمكن من مقاومته فرحلت.. ليته نفذ تعليمات السلامة.