د. عبدالله الكمالي

قد تسأل أحياناً بعض الأصدقاء: متى كانت آخر زيارة لخالك أو عمك؟.. فتسمع جواباً صادماً: زرته منذ سنة أو سنتين، فإذا عاتبته على هذه القطيعة قال لك: أنا مشغول جداً، ولو سألت آخر عن قريب له في المستشفى: هل تواصلت معه؟ فجوابه سيكون: لم أتواصل معه لأني مشغول.

والعجب أن يكون هذا الجواب من أعذار ترك الاتصال بالهاتف مع الأرحام والأقارب، وهذا من مخادعة النفس والركون إلى الأعذار الواهية، فهنا تنطبق المقولة الشهيرة «عذر أقبح من ذنب».

وإذا سمعت هذه الأعذار ظننت أن هؤلاء عندهم شركات ومصانع في مختلف دول العالم، وأنيطت بهم المسؤوليات الضخمة العظيمة، لكن في الواقع هم مشغولون بالفراغ وقلة العمل وتضييع الوقت وإهداره على التوافه، وعدم إعطاء كل ذي حق حقه.

مشاغل الدنيا كثيرة في زماننا وقبله، ولكن حرص بعض الناس على الأجر دفعهم إلى ترتيب أولوياتهم والحزم في أوقاتهم، فيصلون الأرحام، ويقومون بالواجب في الأفراح والأتراح حتى مع أصدقائهم وزملائهم، وهذا نراه مع بعض الموفقين في أيامنا هذه، فبعضهم وظيفته مرهقة جدّاً وأعماله كثيرة ولكنه لا ينقطع أبداً عن زيارة والديه وأرحامه وأقاربه، وقد شاهدت مرة لقاء مع أحد الوزراء في دولة عربية وحجم العمل فيها ضخم جدّاً، فذكر الوزير أنه لا يترك التواصل مع أمه كل يوم إما بالزيارة أو الاتصال.

أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30

إن الانشغالات الوهمية داء خطير قد لا يشعر به الإنسان فتراه يبتعد عن والديه وإخوانه وأخواته وأسرته بل حتى زوجته وأولاده بحجة أنه مشغول، والحقيقة أنه يهرب من واقعه إلى واقع آخر، بل أحياناً إلى واقع افتراضي على مواقع التواصل.

فمن يزعم أنه مشغول قد يقضي ساعات طويلة جداً على لعبة إلكترونية، أو الجلوس في مقهى مع أصدقائه كل يوم، ثم بعد مضي السنوات يجد أنه فرط في التواصل مع أعزاء ماتوا وهو في زحام الانشغالات الوهمية، فعلينا أن نتدارك ونراجع أنفسنا ونرتب أولوياتنا، ومن استغل وقته وجد سعة لكثير من الأعمال.