د.عماد الدين حسين

غيرت الجائحة الكثير من متطلبات وتوقعات عالم الأعمال التجارية، وبرزت احتياجات وتحديات غير مسبوقة؛ ففي عالم تسوية المنازعات التجارية، أضحى الواقع الجديد يتطلب فكراً استشرافيّاً، وحلولاً استباقيَّة على الصعيدين المهني والمؤسسي من حيث المحكمون والوسطاء والمحامون، وأيضاً من حيث استجابة مراكز التحكيم لتلك التحولات، والمتأمل في الواقع التحكيمي المؤسسي الخليجي ومدى استجابته لمتطلبات العالم الجديد في ظل تداعيات الجائحة، يمكنه رصد ثلاث فئات:

الفئة الأولى: مراكز تحكيمية في خصومة معرفية مع الواقع الحالي بقواعدها المتقادمة، وابتعادها عن أدوات التحول الرقمي والمنصات الإلكترونية، والشفافية، ومهنيون متشبثون بالنمطية والتقليدية؛ تصارع تلك المراكز للبقاء، متناسيةً أنها إن لم تتقدم فستتقادم، وإن لم تبتكر فستندثر.

الفئة الثانية: مراكز تحكيمية خطاها متثاقلة في تجديد قواعدها وتحديث بنيتها الرقمية، لغياب الرؤية الشمولية والموضوعية في تحليل الواقع الإقليمي والعالمي؛ فمنهجية التطوير لديها مجرد رد فعل دفاعي وليس تحولاً حقيقيّاً يواكب أفضل الممارسات، ويحقق النتائج المنشودة.

الفئة الثالثة: قليلة في عددها ولكنها تمتلك معرفة منهجية وفهماً أصيلاً لموجبات صناعة التحكيم المؤسسي، ومتطلبات التنافسية الإقليمية والعالمية، بشكل عملي وعلمي وواقعي من خلال تطوير قواعدها، واستحداث ممكِّنات وأدوات تمكنها من المواءمة مع المتغيرات، لهذا جاءت استجابتها أفعالاً؛ إذْ سارعت وأبرمت شراكات مع مؤسسات دولية عريقة، ومدَّت جسور التنسيق والتكامل مع المؤسسات القضائية المعنية بمساندة إجراءات التحكيم وتنفيذ الأحكام التحكيمية، وشرعت في إجراء دراسات مقارنية وصولاً للتنافسية في الأتعاب التحكيمية، وتحقيق أقصى سقف لاحترام إرادة الأطراف، وتقديم منظومة خدمات استباقية متقدمة وليست نمطية متقادمة، كما اعتمدت مبادرات متكاملة وفق إطار زمني لتكون في قائمة مقرات التحكيم التي تستقطب التحكيمات الدولية.

والسؤال: أين مكانة مراكز التحكيم في دول الخليج، والتي تجاوزت الـ25 مركزاً من الفئات الثلاث أعلاه؟ وإلى أي فئة تنتمي؟ وهل لديها إرادة لإدارة توقعات أطراف المنازعات، أم بالكاد تلبي الحد الأدنى لاحتياجاتها؟.. ليس أمام متخذي القرار في مراكز التحكيم الخليجية رفاهية الاختيار، سوى أن يكونوا مستشرفين، ومدركين أن الاحتياجات تغيرت، والتوقعات اختلفت، والثقة باتت فيمن يقدم وسائل التسوية (الأقل كلفة، والأكثر سرعة، والأعلى موثوقية)؛ وهذه الثلاثية لا يدركها إلا أصحاب المصالحة المعرفية الرصينة في إدارة مراكز التحكيم المؤسسية الخليجية.


أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30