د.عماد الدين حسين

لا تشغلك هموم اليوم لمواصلة الرحلة، ولا يثنيك الخوف من الغد لإثارة الحلم فيك

قد يغزونا المشيبُ حتى تتبدلَ ملامحُنا، ويتركنا الزمنُ غيرَ آبهٍ بما خلّفه فينا من آثار؛ وقد تمتد سنوات التباعد بين رفقاء الدرب إلى أجلٍ غير قريب، إلا أن القلب يظلّ عالقاً في البدايات وعلى عتبة الذكريات، حيث النقاء والوفاء والأحلام البريئة قبل أن تتصالح المصالح.

تعارفنا في رحاب الثانوية حتى امتطينا سفينة الطموح وبدأنا رحلة البحث عن الذات، فأخذتنا الحياة بعيداً إلى محطات تجاوزناها مُخيّرين وأحياناً مُجبرين، إلاَّ أن سُبلَ الوصال ما تقطعت بيننا يوماً، ولا طُويت ذكريات صداقتنا رغم بُعد المسافات.

ربما طال الانتظارُ للحظة اللقاء، وعناق رفقاء الدّرب وخلّان رسمنا معهم معالم البداية، وغيبتنا سطورٌ حاولنا أن نخطّها في صفحات أعمارنا، حتى ظننا أنّ حضرة الغياب ستبقى عنوانُ الشوق والحنين.

وحين بزغَت شمسُ اللقاء بادرت صديقي الأمين وأمين الصداقة باستحضار ذكرياتٍ سلفتْ، وملامحَ توارتْ خلف غِمار الحياة، متسائلاً: لماذا أصبحنا معلقين على جسورٍ بلا وصول؟ ولماذا الأنفاس لاهثة؟ وبُغية راحة البال بدت باهتة، وقد حُرمنا بلوغَها؟ لماذا كل هذا العناء ما دمنا لم نصل بعد إلى نهاية المطاف؟ أتذكر صديقي يوم تعاهدنا على أن نكون؟ وقد سطرنا أحلامنا وافترقت خطانا مدخرين أشواقنا إلى لقاء يحكي جميل ما صنعنا وبديع ما شيّدنا في ذواتنا؟

قاطعني قبل أن ينهمر سيل أسئلتي: يا صديقي! كنا في البراءة متحدين هانئين قانعين، واليوم بعد أنين التجربة ولفحات الغربة أصبحنا في الطريق تائهين، أثقلتنا أحلامُنا، وشغلنا الطريقُ عن صحبة الرفيق، ووقعنا في الأسر حتى استيقظنا على وقع الجائحة، لنعلم حينَها أن الخطبَ جلل، وأنها أصابت منا الأمل، حتى تراخت الهمم، وتثاقلت الخطى، وبدت حياتنا مترنحة ما بين إصرارٍ على البقاء وخوفٍ من الفناء.

أخبار ذات صلة

الاستثمار في الأمن الغذائي
أعيدوا لنا 7:15 – 1:30


يا صديقي! اليوم لا يُشبه الأمس، وأما الغد فلا يملك تفاصيله إلا الله سبحانه، فلا تغريك ذكريات الماضي الجميل على التنازل، ولا تشغلك هموم اليوم عن مواصلة الرحلة، ولا يثنيك الخوف من الغد عن إثارة الحلم فيك.

يا صديقي! الماضي جميل، لكن لا تعلق فيه، وتشبث بما تبقى، تعالَ لنغزل من جديد الوعد، ونجدد العهد، لنجعل القادم أجمل؛ دعنا نبدأ من حيث كنا، ولنجعل ما بقي لنا من صفحات في الكتاب، أجمل مما فات.. فهل تراني يا صديقي حالماً..؟